قصص اطفال

قصة صدمة الطفل رامي

في يوم من ذات الأيام توجه رجل يدعى نيكولاس إلى أحد أصحاب العقارات في المدينة، ومن المترددين كثيرا على سباق الخيل ، وهو رجل شاب في حوالي الثانية والثلاثين ، ممتلئ الجسم وردي البشرة ، توجه ذات مساءً إلى السيدة تالين ، والتي كانت له معها قصة طويلة مملة .
وعندما لم يجد نيكولاس السيدة تالين في البيت ، استلقى على أريكة الجلوس وشرع ينتظرها ، وسمع صوتًا طفوليًا ، يقول : مساء الخير يا نيكولاس ، ماما ستعود قريبًا ، لقد ذهبت مع سالي إلى الخياطة .
في غرفة الجلوس ذاتها ، استلقى على الكنبة رامي ابن تالين، وهو صبي في حوالي الثامنة ، رشيق معتنى به، يرتدي سترة مخملية ، وجوربا تريكو من اللون الأسود على أحدث موضة ،
فقال له نيكولاس : مرحبًا أيها الصغير ، لم ألحظ أنك هنا ، هل ماما بخير؟
رد عليه رامي وهو يهز كتفيه : ماذا أقول لك ، ماما في الواقع لا تشعر بنفسها في صحة طيبة أبداً ، فهي امرأة ، والمرأة دائماً يا نيكولاس لديها شيء مريض.
ولأنه لم يكن أمام نيكولاس شيء يفعله فقد أخذ يتأمل وجه رامي الصغير ، فطوال فترة معرفته بـ تالين لم يعر الصبي أدنى اهتمام ، ولم يلاحظ وجوده أبداً ، كان بالنسبة إليه صبي يلوح لناظريه ، أما سبب وجوده هنا ، وأي دور يؤديه فهذا إما لم يشأ أن يفكر فيه.
وفي عتمة الغسق ، ذكره وجه رامي ذو الجبين الشاحب ، والعينين السوداويين غير البراقتين ، ذكره على غير توقع بـتالين عندما كانت في أولى صفحات قصتها معه ، فأحس برغبة في ملاطفة الصبي ، فقال له : تعال هنا يا صغير ، دعني أنظر إليك عن قرب .
فقفز الصبي من الكنبة ، وركد إلى يكولاس ، فوضع نيكولاس يده على كتف الصبي النحيلة وقال : حسنا ، كيف الحال ؟
فرد عليه الصبي : ماذا أقول لك ، إن الحال كان سابقاً أفضل بكثير .
سأله نيكولاس : لماذا ؟
فأجابه الصبي : في السابق كنا ندرس ، أنا وسالي الموسيقى والقراءة فقط ، أما الآن ، فعلينا أن نحفظ أشعار بالفرنسية ، فسأله رامي: أنت حلقت منذ وقت قريب ؟
فقال له نيكولاس : نعم منذ وقت قريب .
فقال له الصبي : آه ، لقد لاحظت ذلك ، لقد أصبحت ذقنك أقصر من ذي قبل ، اسمح لي أن ألمسها ، ألا يؤلمك ؟
رد عليه نيكولاس : كلا لا يؤلمني .
فسأله الصبي : وما السبب أنه عندما تشد شعرة واحدة تشعر بالألم ، وعندما تشد شعراً كثيراً ، لا تشعر أبداً بأي ألم ؟ ، ثم أردف قائلًا : أتدري أنه من الأفضل لو أطلقت سوالفك ، لو حلقت هنا قليلًا ، أما هنا من الجنبين فتترك الشعر ، والتصق الطفل أكثر بـ نيكولاس وراح يعبث بسلسلته .
قال الصبي : عندما أدخل المدرسة ستشتري لي ماما ساعة ، وسأطلب منها أن تشتري لي سلسلة مثل هذه ، يالها من مدلاة ، بابا عنده مدلاة مثلها بالضبط ، ولكن عندك هنا خطوط أما هو فعنده حروف وفي الوسط عنده صورة ماما ، وأصبح لدى بابا الآن سلسلة أخرى ليست حلقات ، بل شريطاً.
فقال له نيكولاس : ومن أين عرفت ، هل تقابل بابا ؟
فقال له الصبي : أنا ، لا لا ، واحمر رامي وأخذ يخدش المدلاة بظفره باهتمام ، وفي ارتباك شديد من اكتشاف كذبه ، فسأله نيكولاس مرة أخرى محدقاً في وجهه : هل تقابل بابا ؟
فقال له الصبي : لا لا ، لم أراه .
فضغط نيكولاس في السؤال أكثر وقال له : أنا أدرك أنك تكذب ، فأجب بصراحة ولا داعي للمراوغة ، قل هل تراه أخبرني كأصدقاء ، هل تراه ؟؟
فأجاب الصبي وقد استغرق في التفكير : ألن تقول لماما ؟
فرد عليه نيكولاس : وهل هذا معقول !!
فقال الصبي : كلمة شرف ؟
قال له : كلمة شرف.
فقال الصبي : أقسم ؟
فرد عليه نيكولاس : يا لك من صعب من تظنني ؟
تلفت رامي حوله ، واتسعت عيناه وقال هامساً ، أستحلفك ألا تقول لماما ، وعموما لا تقل لأحد لأنه سر ، لو عرفت ماما لا قدر الله ، سيحل العقاب بي ، وبسالي  ، فحسناً اسمع : أنا وسالي نقابل بابا كل ثلاثاء وجمعة ، عندما تصحبنا بيلا للتنزه ، قبل الغذاء ، ونذهب الى محل حلوى آبفل ، وهناك يكون بابا في انتظارنا ، وهو دائمًا يجلس في غرفة مستقلة ، أتدري تلك الغرفة التي بها طاولة مرمرية ، وطفاية على شكل اوزة بدون ظهر .
فسأله نيكولاس : وماذا تفعلون هناك ؟
فقال الصبي : لا شيء في البداية نتبادل التحية ، ثم نجلس جميعاً إلى الطاولة ، ويضيفنا بابا  قهوة وشطائر ، أتدرى سالي تأكل الشطائر باللحم ، أما أنا فأحب الشطائر بالكرنب والبيض .
فقال له نيكولاس : وعما تتحدثون هناك ؟فأجاب الصبي : مع بابا !عن كل شيء وهو يقبلنا ويعانقنا ويروي لنا مختلف النكات والحوادث المضحكة ، أتدري أنه يقول عندما نكبر ، سيأخذننا إليه ، لكن سالي لا تريد أما أنا فموافق .
بالطبع سأشتاق إلى ماما ، لكني سأكتب لها رسائل ، ويقول بابا أنه سوف يشتري لي حصانا ، إنه طيب جدًا.أنا لا أدري لماذا لا تدعوه ماما للعيش معنا وتحرم علينا مقابلته ، إنه يحب ماما جداً ، ودائماً يسألنا عن صحتها وأحوالها ، ويأمرنا بطاعة أوامرها ، هل صحيح يا نيكولاس أننا تعساء ؟
أجابه نيكولاس : ولماذا تقول هذا ؟
فرد الصبي : بابا يقول هذا ، يقول أنتم أطفال تعساء ، وأنا تعيس  وماما تعيسة ، صلوا لله من أجلكم ومن أجلها !
توقفت نظرة نيكولاس على طائر محنط ، واستغرق في التفكير ، ثم قال له نيكولاس : إذا أنتم تعقدون المؤتمرات في محل الحلوى ، وماما لا تعرف ؟
فقال له الصبي : لا ومن أين تعرف؟
فقال له نيكولاس : اسمع ، وهل بابا  يقول عني شيء ؟
فرد الصبي : عنك ، ماذا أقول لك ؟
وحدق في وجه نيكولاس وقال له: لا يقول شيء ذا بال ، فتقريبا ماذا أقول ، هل تغضب إن أخبرتك ؟
فأجابه نيكولاس : هل هذا معقول ، هل يسبني ؟!
فرد الصبي : لا لا يسبك ، ولكنه غاضب منك ، يقول أن ماما تعيسة بسببك ، وإنك قضيت عليها ، أنه كما تعلم غريب ، إنني أحاول أن أفهمه أنك طيب ، ولا تصرخ في ماما أبداً ، ولكنه فقط يهز رأسه.
فوقف نيكولاس فجأة ، ثم أخذ مرة أخرى بالجلوس ، وتمتم وهو يهز كتفيه ، ويبتسم بسخرية ، هذا غريب ومضحك ، هو المذنب في كل شيء ، ومع ذلك فأنا الذي قضيت عليها ، انظروا يا له من حمل وديع .
فقال له الصبي بأسف : لا تغضب يا نيكولاس ، فأنا الذي فتشت السر .
دق جرس الباب ، فأسرع رامي منطلقاً خارجاً ، وبعد دقائق دخلت غرفة الجلوس سيدة ومعها طفلة صغيرة ، كانت تلك تالين  وتبعها رامي، وهو يقفز ويغني بصوت عالي ، ويهز ذراعيه  وأومأ نيكولس برأسه محيياً ، ثم تمتم وهو يزفر ، طبعًا من غيري الآن يمكن توجيه الاتهام إليه ؟ إنه محق ، أنه زوج مهان !
فسألته تالين: عما تتحدث ؟
فقال لها نيكولاس : عما ! فلتسمعي الأحاديث التي يلقيها زوجك الموقر ، فإنني شرير ، قضيت عليك ، وعلى الاولاد كلكم تعساء ، وأنا السعيد الوحيد ، سعيد إلى درجة فظيعة فظيعة !
فقالت له تالين : أنا لا أفهم يا نيكولاس عما تتحدث ؟!فقال نيكولاس مشيرًا إلى رامي :  فلتسمعي اذا هذا السنيور الصغير ، احمر وجه رامي وقال بارتباك مفزوعاً : نيكولاس اسكت !!
فنظرت تالين إلى رامي ثم إلى نيكولاس ثم إلى رامي مرة أخري باندهاش!
فقال نيكولاس : هيا اسأليه ، فإن خادمتك بيلا هذه الحمقاء تتردد على محلات الحلوى وترتب اللقاءات مع الوالد المحترم ، ولكن ليست هذه القضية ، القضية هي أن الوالد المحترم ضحية ، أما أنا فشرير سافل حطمت حياتكم .
فتأوه رامي قائلًا : نيكولاس لقد أعطيتني كلمة شرف ،
فأشاح نيكولاس بيده قائلًا : دعني ، الأمر الآن أهم من أي  كلمة شرف ، ما يثير سخطي هو الرياء والكذب. فقالت تالين وقد ترقرقت الدموع في عينيها : أنا لا أفهم ، وخاطبت ابنها : اسمع يا رامي ، هل تقابل أباك ؟
ولكن رامي لم يكن يصغي إليها ، بل كان يحدق في نيكولاس بارتياع ، فقالت الأم : مستحيل سأذهب إلى بيلا وأستجوبها ، وخرجت تالين من الغرفة ، فقال رامي وبدنه كله يرتجف : اسمع ، ألم تعطني كلمة شرف؟! ، فأشاح نيكولاس بيده ، ومضى يذهب ويجيء في الغرفة ، كان مستغرقاً في غضبه ، ولم يعد يلاحظ وجود الصبي كما كان في السابق .
أما رامي فانزوى في ركن من الغرفة ، وأخذ يروي لسالي كيف خدع ، كان يرتجف ويتلجلج ويبكي ، كان أول مرة في حياته يصطدم بالكذب وجها لوجه ، وبهذه الفظاظة ، لم يكن يعرف أن في الدنيا بالاضافة إلى الكمثري الحلوة ، والشطائر والساعات ، كثير من الأشياء الأخرى ، التي لا أسماء لها في لغة الأطفال .
 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button