قصص اطفال

قصة حارس القطيع

على مدى عشر سنوات أو أكثر كان كلبا  يدعى  بوب ، يمشي وراء القطيع ويحميه من الذئاب والواوية واللصوص ، وخلال هذه المدة التي تولى فيها بوب الحراسة ، لم ينقص القطيع ولا رأسًا.
كان بوب  حارسا شديد البأس والوفاء و الأمانة لصاحب القطيع وأهل بيته ، رغم أن بوب بخاصرتيه المجوفتين وفمه الواسع وشدقيه المتهدلتين من قسوة العظام العارية الآدام والنباح  في الحر و البرد. لكن هذه المهمة القصوى التي أوكلت له جعلته دائم القلق والتوتر ، يشنف أذنيه وحواسه الأخرى ليتفادى الأخطار المباغتة التي من شأنها المساس بأصحابه قبل وقوعها ، ولذلك كان بالكاد يغمض له جفن ، كما أنه لا يتمادى بأحلامه بعيدًا عن مؤخرة القطيع ، وعتبة الدار والعظمة العارية كالريح الملقاة إليه وإلى أخرى مكتظة باللحم والدهن .
كما كان يطمس بقهر رائحة الطعام من مسافات بعيدة التي تدعوه بإلحاح إليها ، كأنه أدرك بفطرته الكلبية المجبولة على نكران الذات ، والوفاء والإخلاص للصاحب : أن قدره أن يكون بوب حارس القطيع ،  ولا شيء غيره .
وعندما كان القطيع يعود إلى حظيرته سالمًا في آخر النهار ، كان بوب يستلقي على جنبه أمام عتبة البيت مطمئن البال ، يمد قوائمه المتعبة ، يغمض عينه  نصف إغماضه ، ويستلقي قليلاً قبل قدوم الليل ، الذي يعني له بداية الشوط الثاني من الحراسة.  كان بوب معنيًا بسلامة عالمه وناسه الذين قصّوا له ذنبه المعوج بالمقص لأنه لا يصل إلى الاستقامة التي يطمحون إليها ولو وضعوه في القالب أربعين سنة.
كان يومها بوب جروًا صغيرا وقد نبح نباحًا مؤلمًا ونزف دماءً كثيرة من عصّه ، ومع الأيام تأقلم مع وضعه الجديد ، حتى أنه نسي ذنبه وشكله والآلام التي سببها أصحابه له ، وازداد تعلقًا بصاحبه وقطعانه .
أما بقدوم الصيف فيكبر ضوء القمر ، وتكثر السهريات على السطحيات ، تعج سطحية صاحبه بالأصدقاء الذين كانوا يتحدثون بأصوات عالية وكلمات مبهمة ، لا يفهم بوب معظمها وهو مستلقي أمام باب البيت ورغم ذلك كان يشنف حاسة شمه وأذنيه لكي لا تفوته ولا كلمة من تلك الأحاديث .
يقاوم إغراء الرقاد ليسمه اسمه ينطلق من فم صاحبه ، وهو يكيل له المديح ، ويقول عنه أمام الجميع ، أن أصل بوب كان ذئبًا ، وأنه أصبح بوب منذ أول عظمة رماها له وتمزق شدقاه وتدمى فمه من قسوتها ، لم يكن لبوب ذنب ليهلل به طربًا على مديح صاحبه له ، وفي نفس اللحظة كان بوب يغتم وتقطر نفسه حسرة من أصحاب القطعان الذين حولوا الذئاب إلى كلاب! وليتهم اقتصروا على هذا
فصاحب القطيع وأهله وجيرانه وكل سكان القرية ، إذا أرادوا أن يوجهوا الشتائم والسباب والتحقير لشخص دون غدر بهم يقولون له : كلب ابن كلب ؟؟ .. يحتار بوب : كيف يتهمونه بالغدر وهو على هذه الدرجة من الوفاء ؟ غريب أمر هؤلاء البشر الذين لا يخجلون من لصق صفاتهم بالكلاب !!
بعد عشر سنوات كبر بوب وهرم ، أقعدته الشيخوخة ، وقاسته عن الحراسة والنباح والسهر ، يومان فقط من التقاعد القسري ، خبت فيهما عيناه وكل جسده ، ونباحه إلى حشرجة وأنين ، ليس من حق كلاب الحراسة التقاعس والتقاعد يا بوب، حتى وإن كانوا أفنوا أعمارهم وزهوتها في الحراسة .
حاول بوب أن ينسل من شيخوخته ومرضه ويلحق بالقطيع ، رأى صاحبه مقبلاً عليه وهو يدكّ بارودته بالخرطوش ، برك بوب في مكانه مستسلمًا لقدره الزغراني ، قرّب صاحبه من فوهة البارودة السوداء من صدغه ثم ضغط على الزناد .
 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button