قصة الفقير الذي تصدق على الفقراء
يُروى عن رجلا فقير ومعدم الحال يدعى سعد ،كان سعد متزوجا ولديه طفل صغير، ولا يملك وظيفة ولا شهادة .فقد كانت تمر عليه أيامٌ هو وأسرته لا يجدون ما يأكلوه إلا فتات أو قرص شعير صغير ،وفي بعض الأحيان كانوا يساعدونه أخوته بإعطائه بعض المال وبعض الاحتياجات الغذائية .
إلا أنه في أحد الأيام المشؤومة عليه إذ تخطى يومهم الثالث دون أن يأكلون شيئا يذكر ،كان طفلهُ يصيح جوعاً ويتلوى من الجوع وزوجته هي الأخرى راحت تصرخ عليه لينهض ويتحرك ويذهب ليحضر ما يأكلونه ،فقامت تهدده بترك المنزل والعودة إلى دار أبيها التي عاشت فيها عزيزة مكرمة تأكل أشهى الأطباق وألذ الأطعمة .
خرج سعد تائها في حيرة لا يعلم لمن يذهب ؟ وماذا يفعل ؟ وإلى من يشتكي ؟ وأي باب يطرق ؟ فمعظم أقربائه ومن يعيشون في الحي معه يطالبونه بأموالهم التي أستدانها منهم .
ذهب على استحياء في ذلك اليوم إلى صديق له يعرفه منذ الصغر، ولشدة الحاجة طلب منه بعض المال، وبالفعل لم يبخل عليه صديقه بذلك بل أعطاه مبلغ كبيرا يغنيه لثلاث أيام بـلياليها ،فشكره كثيراً ووعد برد المال حال توفره معه .
ودون تفكير أو تردد ذهب إلى المطعم فرحاٍ سعيداً وأشترى الكثير والكثير من الطعام . وفي أثناء عودته إلى منزله سيراً على الأقدام صادف في أحد الأحياء القريبة من حيهم طفلً صغيراً بائس يبحث في القمامة عن بقية طعام فاسد ربما رماه أحدهم بعد أن أكتفى بنصفه إلا أنه لم يجد ،وما أن رأى الطفل سعد حتى ذهب إليه مهرولً وقال له :أرجوك يا عم أعطني بعض مما لديك فأمي وأبي وأخوتي لم يأكلوا منذ مدة !
ولكن صرخ عليه سعد وقال : أذهب هيا أذهب من هنا .
تركه سعد وأبتعد عنه قليلا ومشى ومشى خطوات ثم توقف فجأةً ،يفكر ويغمض عينيه محتاراً في أمره يلوم نفسه ويقول : ماذا فعلت ؟ فقد يكون هذا الطفل أشد حاجة مني ومن عائلتي بهذا الطعام .فرجع سعد إليه و أعطاه قطعة كعك وقال له أين هو بيتكم أيها الصغير ؟
فذهب معه إلى بيته وعندما دخل دُهشت عيناه مما رأت، أبٌ مقعد وأمٌ مريضة وست أطفال صغار يتقاتلون على قطعة خبز يابسة، فلم يتمالك دموعه التي انهمرت من عينيه مرغما ،ودون أن يفكر في زوجته وطفله الجائعين أيضاً ،ترك لهم كل ما بيده من طعام في بيتهم وخرج تسابقه دموعه حاملا كيسه الفارغ معه .
عاد إلى بيته لكنه حينما وصل إلى عتبة بابه لم يستطع الدخول ،لم يمتلك الجرأة على ذلك ،لا يحتمل نظرات الجوع في عين أسرته وكيف ينظر إليهم ولم يعد لديه ما يعطيهم فذهب إلى البحر هناك وتوقف بعيداً وحيداً ينظر إلى عمق البحر وهيبته وما يحمله من أسرارً تحت مياهه .فيحلم بالكنوز التي في قعره، لعلها تأتي في يده بالصدفة أو يحالفه حسن الحظ .ظل في حيرته متوقفاً يشتكي همه لربه أمام ذلك للبحر بلا صوت ،يتمشى قليلاً على رمال الشاطئ ويرمي بالأحجار في العمق وكأنه ينتقم من البحر للكنوز التي فيه .
وكان يملئ الكيس الذي بحوزته بالرمال والقواقع وغيرها وقال سأعود بها بدل الطعام للبيت حتى أتذكر خيبة أملي .
لم يكن معه أحدٌ على ذاك الشاطئ عدى رجل كبير في السن يجلس وحيداً بجانب سيارته الفارهة، إلا أن سعد لم يدر له بالً ،ولم يلتفت له، وبينما هو منعزلً مع أفكاره إذ به فجأة يسمع صوت أحدهم يستنجد وينادي .نظر سعد هنا وهناك حتى رأى الرجل المسن ينتفض على الأرض ويتلوى في مكانه من شدة الألم وكأنه مختنق، ذهب إليه بسرعة ليسعفه ،إلا أنه لم يعرف علته.فسأله : ما حل بك يا سيدي ؟ وماذا تريد ؟
لكن الرجل لم يستطع الكلام وكان يضع يده فوق عنقه ،احتار في أمره والتفت يمينا شمالا وقام يبحث في سيارة الرجل عله يجد ضالته كدواءه أو ما يساعده .
بحث وبحث حتى وقعت عيناه على بخاخ الربو فعلم بعلته وقام ببخ الدواء في فمه وأسعفه حتى تعافى الرجل بعد أن كاد أن يودي بحياته .قام الرجل يشكر سعد على ما فعل ويمتدحه لمساعدته ومرؤته، جلسوا بعدها يتحدثون مع بعضهم، فأخبره سعد بقصته وقلة يد العون وقلة المال وقلة العمل وقصة الطعام الذي أعطاه للعائلة بينما عائلته جائعة أيضاً ،ثم استأذنه بعدها ليذهب إلى البحر لتنظيف يديه من الرمل .
ثم عاد وأخد كيسه الأسود معه، ولم يجد الرجل إذ يبدو أنه رحل، فعاد سعد أيضاً قاصدً بيته وهو مُنكسر مُجبرا على رؤية عائلته الذين يعيلهم وهم جياع .
وفي طريق عودته توقف في أحدى الشوارع التي توقف بها المارة أيضا لفتح إشارة المرور .فشعر وكأن الكيس قد تبدل مافيه ،ففتح الكيس فوجد به ثلاث أظرف وورقة بيضاء .
كانت هدية شكرٌ من الرجل الذي أنقذه فكافأه بهذه الأظرف الثلاثة المليئة بالمال ،ففتحها غير مصدق وإذ بها أموالٌ طائلة جداً، وكأنها أموال العالم بيده ظل سعد يلمسها ويمعن النظر فيها جيداً فهذه المرة الأولى التي يرى فيها نقوداً بهذه الكثرة .
ذهب إلى المطعم مباشرة وأشترى أطباقا وأطعمة من كل الوجبات التي تقع عليها عينيه وذهب إلى بيته سريعا وكأنه يركب طائرة ودخل على زوجته وطفله وأعطاهم كل ما بيده وأخبر زوجته بما جرى معه ،وسلمها كل المال .عاشت الأسرة بعدها أيام سعيدة لم تكن تحلم بها حتى عوائل الطبقات المخملية إلا أن سعد لم يعجبه ما كانت تفعله زوجته من تبذير للمال يمينا ويساراً على أشياء تافهة بسيطة لا تستحق ولا تحتاجها ،وكان يكلمها باستمرار وينصحها بعدم الاسراف في الأموال، إلا أنها لا تدير له بالً ،فهددها بقطع المال عنها إذ لم تتوقف عما تفعله .
في أحد الأيام عادت الزوجة من السوق تحمل بين يديها الكثير من الذهب ،ما أثار غضب سعد كثيراً وصرخ عليها يوبخها : ماذا تفعلين ولما كل هذا التلاعب بالمال ؟ ولماذا لا تشكرين الله على هذه النعمة ! بدلا من تبذيرتها ؟ فلماذا لا تتصدقين بها على الفقراء والمحتاجين ؟ ألا تعلمين بأن هناك من لا يأكل ولا يشرب ولا يجد قطعة خبز صغيرة حتى في القمامة مثلما كنا في الماضي !
قالت له غاضبة : عندما كنا بحاجة إلى المال لم يعطينا أحد ! فلماذا تريدنا الآن أن نعطي الآخرين ؟
أخذ كل المال من زوجته بعد أن مل من غطرستها ورعونتها ،وخرج من البيت وسط صراخها : أرجوك يا زوجي عد بالمال ،أرجوك، أرجوك أرجع ! لا نريد أن نعود كما كنا .
إلا أن سعد لم يهتم لها ،ركب سيارته الجديدة وفي خلده ذلك الصبي البائس الذي قابله قبل وقت ،فذهب إلى بيتهم، وطرق بابهم حتى فتح له الصبي الذي كان يدفع والده في كرسيه المتحرك، فأعطاهم كل المال الذي بحوزته ورحل وهو سعيداً جداً بتصدقه على تلك العائلة الفقيرة .